في ذكرى فاتح ماي : حول التحريفية


حول التحريفية

ان خاصية تاكتيك التحريفية هي النضال السياسي بينما خاصيتها التنظيمية هي العفوية وطمس الحدود .اذ يستهدف النظال السياسي استراتيجية "المجتمع المدني "يعمل للحفاظ على ثوابت الرأسمالية واستكمال تكوينها بشروط مقبولة عند الجماهير الشعبية وذلك بمحاربة توحش قوانين السوق وجعلها "متحضرة "،اي معقولة الى حد ما .
 في ما تفترض التحريفية امكان "تحضر"،الرأسمالية ترى في حيادية جهاز الدولة ووقوفها فوق الطبقات حكما يمكن الارتكان اليه في تحقيق مهام عقلنة السوق ،بتدخلها اي الدولة في قواعد سير قوانينه ،لذالك لن تعمل التحريفية على قلب السلطة البورجوازية بل التعايش معها ،تبعا لسير موازين قوى الصراع الطبقي الموضوعية ،جاهدة في فرز أشكال سياسية لاحتواء سيره وفق اتجاه يظمن تكريس علاقات الانتاج الرأسمالية ،من هنا فهي لا ثورية ،بل اصلاحية .
 ان اصلاحية التحريفية تفترض زيادة على فكرة حياد جهاز الدولة ،امكان التقاء مصلحة البورجوازية ومصلحة البروليتاريا في نقطة مشتركة هي "المجتمع المدني"،المناهض للاكتساح الدولي وفقا لشروط العولمة ،وهي توظف لذالك شعار "الديموقراطية والنضال الديموقراطي " .
ان النضال الديموقراطي كخطة تكتيكية هو نضال من داخل البنية الفوقية السائدة
  اذا نضالا فوقيا يرتدي أشكالا جماهيرية احتجاجية لا تخرج عن إطار قواعد اللعبة السياسية المسطرة فوقيا من طرف التحالف الطبقي السائد المتمثل في النظام المسيطر ،وإذ ترتدي هذه الأشكال النضالية طابع الجماهيرية ،لا تخرج عن نطاق تصور "الجماهيرية "، لا كمفهوم وتوجه سياسيين يعكسان مصلحة الجماهير الشعبية الطبقية المتمثّلة في النضال الثوري وفقا لاستراتيجية إلغاء الاستغلال بثورة الاشتراكية ،بل ككم عددي لتكدس الأصوات المصادقة على مشروعية سير النضال العادي الذي لا يكترث بالثورة قدر اكتراثه بالمصالح الاقتصادية الضيقة ذات الطابع النقابوي لأوسع الجماهير الشعبية .لن تقف من هنا التحريفية موقف النقيض للدولة بل موقف المساوم المهادن الذي يثير الرأي العام للضغط ،وللضغط فقط اي موقف الحليف لهذه الاخيرة (اي الدولة)،في محنها المختلفة اثناء سير الصراع الطبقي .
 ان النضال الديموقراطي نضال فوقيا ،إذن نضالا عفويا يفترض الهبوط الى مستوى وعي الجمهور العادي الذي هو وعي تريديونيوني كما يصفه لينين ،وتقديس هذا النوع من النضال تحت يافطة مراعاة إستقلالية الاطارات الجماهيرية عن النفوذ السياسي لمختلف الأحزاب هي فكرة سياسية بامتياز ،تكرس العفوي لانه لا يهدد مصالح البورجوازية بالفناء ،وتجمعهما اي البورجوازية والبروليتاريا الى مائدة المساومات والمصالحات والتنابذات انه كما تسميه التحريفية "تفعيل المجتمع المدني "! يكرس النضال ضمن "الحدود المعقولة"! لسير موازين القوى الطبقية من داخل الاطارات الجماهيرية الشرعية ،مصداقية مناورات وشعارات النظام السياسية بتوفير معارضتها (اي معارضة التحريفية )مظلة لهذا الأخير (اي النظام ) .
 تراهن التحريفية في نضالها الديموقراطي على الصراع الثقافي كأولوية سياسية لتعبئة أوسع قاعدة جماهيرية حول أهدافها الإصلاحية ،بفتح جبهة خارجية لتنظيماتها تتجلى في لف أوسع الجمهور حول شعاراتها الاساسية وتغيير آرائه لمساندة التنظيم التحريفي في معاركه بصفته قوة ضغط للمساومة تتمثل في الراى العام ،وهذا هو عين العفوية لان النضال العفوي السياسي لا يتطلب حنكة واستعدادا نضاليين بل المشاركة الواسعة والهبوط لمستوى وعي التريديونيونية والنضال التريديونيوني ،ولن تكون الثقافة الوطنية الديموقراطية الا ثقافة المدن والحواضر الخطابية المعادية للتسيس لا بمعناه التريديونيوني بل بمعناه الثوري .
 ذالك ان النضال والتنظيم الثوريين لا يفتحان الجبهة الخارجية الا بصفة ثانوية بينما يفتحان الجبهة الداخلية المتمثّلة في رفع وعي ونضالية الجماهير الشعبية وفرزها من صفوفها مناضلين ومقاتلين ثوريين اي تأطير الحركة الجماهيرية والتحامها حوله (التنظيم الثوري)،بصفته اولوية حيث يكون الهدف هنا هو قلب السلطة السياسية للبورجوازية اي النضال من فوق بالهيكلة التنظيمية في وجه التريديونيونية العفوية ،والحرب الشاملة في وجه فكرة الضغط الإصلاحية.
 ترى التحريفية في ما يسمى " البورجوازية الوطنية "،حليفا موضوعيا للطبقة العاملة ،وتفترض الصراع بينهما صراعا ثانويا ،يتوج
بتاسيس جبهة حزبية ديموقراطية ،تنتظر من داخلها الطبقة العاملة ان تنجز البورجوازية ثورتها الديموقراطية الرأسمالية او إصلاحاتها ان صح التعبير ،مكرسة بذالك ذيلية الطبقة العاملة للبورجوازية ، ومحولتا نضالها الى نضال المساومات والمهادنة والانتظارية ،ولن
يكون الصراع الطبقي هنا
الا صراعا اقتصاديا لا يثير حفيظة البورجوازية في إنجاز مهامها المسماة "نضالية" .
 لقد بينت التجارب التاريخية مدى مصلحة البورجوازية في تحقيق الثورة البورجوازية ،اذ انها تفضل ربط مصيرها بمصير الإقطاعية على ان تتحالف مع العمال والفلاحين في سبيل إنجاز مهام ديموقراطية ،لانها طبقة مستغلة (بفتح السين )ليست لها مصلحة في جلاء التخلف بل في إدامته ،لهذا فهي ليست "تقدمية".فالمهام التقدمية المنجزة في أروبا الإمبريالية حاليا ليست صنيعة فضل البورجوازية وتكرمها بل نتيجة ثورة العوام الجياع على المظالم ،انها حصيلة ثورة الجماهير الشعبية آنذاك والتي وضعت البورجوازية امام سدة الامر الواقع ،وهي اي الجماهير لم تتم ثورتها الديموقراطية نحو الاشتراكية الا نتيجة حداثة الحركة آنذاك وغياب بالتالي حزب بروليتاري بديل يدفع بالحركة الى الامام ،لهذا فالبورجوازية ليست ديموقراطية الا بقدر ما هي ديكتاتورية موظفة في ذالك شتى أساليب القمع والتضليل الأيديولوجية ولن يكون جهاز الدولة "المحايدة "الا اداة هذا القمع والتضليل ،لانه جهاز قمع طبقي يقنن علاقات الانتاج الاستغلالية ويكرسها ،ان "دولة الحق والقانون "،و"حقوق الانسان "،نموذج لشعارات التضليل البورجوازية ،وما ولوج التحريفية صرح "النضال الحقوقي "الا وهم امكان إصلاح موسسات الدولة لضمان حياديتها .
 تفضل البورجوازية النظام الملكي على الجمهورية ،والتخلف على التقدم ،والدين على العلمنة ،والإقطاع على الديموقراطية ولن تكون وظيفتها الا شوفينية معتدية او خيانة مقيتة لهذا المبدأ بالذات ،لان عدوها ليس الا العمال وجماهير الفلاحين الكادحين ،انها لا تكترث بالوطن قدر اكتراثها بمصلحتها الطبقية ،لهذا لن تكون الثورة الديموقراطية البورجوازية الا ثورة التحالف العمالي الفلاحي المنظم في حزب طلائعي ثوري ،ذلك ان هذه الثورة حتى وان لم تمس مصلحة البورجوازية على المدى القريب تمسها على المدى البعيد لان البروليتاريا هي صاحبة المصلحة في إطلاق الحريات ،وهي لن تتم رسالتها الا بالثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا ،ولن توظف البورجوازية شعار "الديموقراطية"الا بصفته قناعا يخفي وجهه الديكتاتوري وهو شعار عام فضفاض ينكر التناقض بين الديموقراطية البروليتارية والديموقراطية البورجوازية ،اي التناقض بين ديكتاتورية البروليتاريا والديكتاتورية البورجوازية .
 ان نضال التحريفية نضال عفوي إذن اقتصادي فهي لا تكترث بالنظرية او بالهدف قدر اهتمامها بالنضال اليومي المعتاد ،وهي لهذا عفوية حتى على مستوى نظريتها حيث انها لا تستقر على مرجعية نظرية ثابتة بقدر انتقائيتها وتجريبيتها التي تكتفي بالوصف السطحي للامور حتى تقف موقف الراضخ لقانون الامر الواقع ،انه المنهج الميتافيزيقي الذي يطالب بالتعايش وسط ومع الماركسية ،تحت شعار "حرية النقد"،خطاب قديم متجدد له جذوره في ما قبل الطفرة العلمية الماركسية .
 بما ان نضال التحريفية هو نضال "الديموقراطية " بتنظيمها هو بالضرورة تنظيما "ديموقراطيا "اي تنظيما قاعديا مفتوحا ،يطمس الحدود بين التنظيم السياسي الذي هو تنظيم الطلائع الثورية ،والتنظيم الجماهيري ذي البعد التريديونيوني الاصلاحي ،وبالتالي هذا النوع من التنظيم لا يراعي الانتقاء الصارم لعضوية الأفراد وفق شروط صارمة تراعي الانظباط الواعي لقواعد العمل السري ،لتعليمات القيادة الثورية ،ان تنظيمها بالضرورة تنظيما مائعا يتطلب أوسع مشاركة جماهيرية عفوية بدائية أشكال ديموقراطيتها التي لن تكون الا ليبرالية ،وتجميع لكم عددي مكدس بصفته أصوات التزكية على خطوات قيادتها التحريفية المتنفذة ،باسم الجماهيرية ،ولن تنتج هذه الأشكال التنظيمية الا الفوضوية والميزاجية والانظباط اللفظي (لمزيد من التوضيح اقرأ خطوة الى الامام خطوتان الى الوراء "لينين .
بما ان النضال الثوري يستهدف
  قلب السلطة البورجوازية فهو نضال من فوق ،يتحرك خارج مشروعية البنية الفوقية السائدة ويناقضها ،لهذا يفترض بالموازنات مع جهاز الدولة كتنظيم للقوة الطبقية للبورجوازية ،تنظيما ثوريا يراعي قواعد العمل السري والانظباط الواعي بانتقاء العناصر المقاتلة في صفوف الجماهير الشعبية بصفته تنظيما للقوى الطبقية للبروليتاريا ،فلا يهبط لمستوى وعي الجمهور العفوي ونضاله العفوي كذالك بل يرفع من مستواه ويدخل تاطيرا على حركته ،بفرزه لمقاتلين اكفاء من صفوفه ،ولن يكون هذا النضال الا نضالا بالقوة المنظمة لا يحرك أوسع الجمهور العفوي ذي الطابع السياسي بل العسكري للطلائع الثورية المتمرسة على الصمود والقتال ،تنظيما عسكريا يناقض عسكرة البورجوازية المتمثّلة في جيش الدولة ،انه تنظيم الشعب في زي عسكري .
 لا تنتعش التحريفية الا في الماء العكر اي في السكون والاستقرار السياسي ،وهي غالبا ما تفرض نفسها بعد أية ضربة تتلقاها الحركة الماركسية
ويمكن إجمالا تقييم الفرق بين الثورية والإصلاحية في مبدأين : العنف الثوري والعمل السري .
لا يستهدف هذا المقال الا اثارة النقاش والنقد البناء الجماعي في جو رفاقي ديموقراطي

بن عبد الكريم المغربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعتقلين السياسيين على خلفية مؤامرة 24 ابريل 2014

اراء حرة ..... وثائق ومناقشات

اراء حرة ....وثائق ومناقشات - استقلال ام استبدال طبقي ؟